ماهي رسالة إيران للمغرب بمُشاركة "دهقاني" في "لجنة القدس"؟
من المنتظر أن يحل حميد رضا دهقاني، السفير والمندوب الدائم لدولة إيران لدى منظمة التعاون الإسلامي بالمغرب، للمشاركة في الدورة العشرين للجنة القدس والتي تنعقد يومي 17 و18 من الشهر الجاري بمدينة مراكش، حيث سيترأس الدورة الملك محمد السادس باعتباره رئيسا للجنة القدس.
وبالرغم أن حضور المسؤول الإيراني للمغرب يأتي في ظروف قطع العلاقات المغربية الإيرانية منذ مارس 2009 ناهيك عن تصريح مباركة بوعيدة، الوزيرة المغربية المنتدبة لدى وزير الخارجية التي ذهبت بقولها كون "أجندة الدبلوماسية الخارجية لا تتضمن أي تطبيع مع إيران"، فإن تمثيل إيران في المؤتمر يحمل دلالات معبرة بالنظر إلى حضور أعلى هرم في الدولة، ويتعلق الأمر بالملك محمد السادس الذي سيترأس الدورة، هذا بالإضافة إلى أن إيران أصبحت اليوم لاعبا على الساحة الدولية والإقليمية وبات دورها مطلوبا من لدن المنتظم الدولي بشكل عام والولايات المتحدة الأمريكية على وجه الخصوص، حيث سجل الإيرانيون في ظل حكم الإصلاحيين تقاربا بين واشنطن والرياض خلال الشهور الأخيرة.
العقيدة الدبلوماسية الإيرانية منفتحة على جميع الدول باستثناء إسرائيل
إدريس هاني، المتابع للشأن الإيراني، يذهب إلى أن حضور حميد رضا دهقاني من الناحية الشكلية، كان عن طريق منظمة التعاون الإسلامي، وأن الدعوة المغربية للحضور في الدورة 20 للجنة القدس جاءت لكون إيران عضوا في لجنة القدس، ولم يستغرب إدريس هاني دعوة المغرب لإيران، "لأن إيران سبق لها وأن قدمت دعوة للمغرب لحضور أشغال مؤتمر دول عدم الانحياز والتي حضرها يوسف العمراني باعتباره نائبا لرئيس المؤتمر الذي انعقد في طهران".
وأضاف هاني إلى أن "قطع العلاقات الدبلوماسية لا يعني أنه ليس هناك أمور تدار بالوساطة أو عن طريق مباشرة". مشيرا إلى أن "إيران تحضر اجتماعات الأمم المتحدة بالرغم من قطع علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية".
وقال هاني في اتصال مع هسبريس بأن "العقيدة الدبلوماسية لدى الإيرانيين ترى أنه ليس للإيرانيين أية عقدة في التعامل مع جميع دول العالم باستثناء إسرائيل"، وأضاف "المشكل أن علاقة المغرب بإيران للأسف تعرضت لقراءة ساذجة وكيدية، لأن قطع العلاقة بين بلدين لأي سبب لا يعني الدخول في الكيدية والتفسيرات الدينية المبسطة كما يروج الآن في الصحافة المغربية، فالقضية أكبر من هذا بكثير لذلك هذا النوع من الاختزال لتفسير هذه الأمور هو تشويه للدبلوماسية المغربية نفسها، لأن الدبلوماسية المغربية ليست قاصرة حتى تأخذ مثل هذه المواضيع بهذه البساطة" يورد هاني.
وقال: "لقد اطلعت اليوم على الصحف المغربية والتي باتت تتحدث عن الاشتراطات لفتح العلاقات الدبلوماسية المغربية الإيرانية من جديد، وأنا أذهب إلى أن هذه المسائل البسيطة والمبسطة غير مطروحة بتاتا في العلاقات المغربية الإيرانية".
وأشار المتابع للشأن الإيراني إلى أن قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين والتي تقارب خمس سنوات، تبين من خلال هذه الفترة أنه لم تكن هناك مشاكل بين المغرب وإيران، أو تنابز أو صراع وأنا أرى أن قطع العلاقات يتعلق بسوء تفاهم فقط، وبالتالي لا أعتبر الأمر قطيعة حقيقية".
واعتبر المتحدث أن حضور الملك باعتباره رئيس لجنة القدس وحضور ممثل إيران هي دلالة معبرة ولاسيما أن هناك تقاربا إيرانيا بين واشنطن والرياض، وتكريس العلاقات الإيرانية القطرية، فالمناخ حاليا، يضيف إدريس هاني جد ملائم وليس هناك ما يمنع طريق اللاعودة لأن المنع والقطع ليس من الدبلوماسية في شيء، فالعلاقة بين الدول ليست هي علاقة بين أشخاص كما يتصور البعض، فالدبلوماسية هي إدارة العلاقات بنوع من العقلانية الفائقة".
حضور الممثل الإيراني لتمثيل بلاده في دورة مراكش للجنة القدس اعتبره هاني إشارات متبادلة بين البلدين "القبول بالدعوة من لدن إيران هي إشارة أيضا، علما أن الإيرانيين ليس لهم مانع لأنهم لا يعرفون الأسباب الحقيقية وراء قطع العلاقات" حسب رأي هاني.
إيران ستنوب عن سوريا في لجنة القدس بمراكش
هناك ملاحظة تسترعي الانتباه، وهي أن حضور إيران لمؤتمر لجة القدس بمراكش قابله غياب سوريا، هل يعني هذا أن إيران "القوية" ستنوب عن النظام السوري "المنهك" بحرب مع شعبه؟
يسجل إدريس هاني، "أن النظام الدولي ومن خلال تحضيراته لمؤتمر جنيف2 قدم دعوة إلى إيران من قبل الأمريكان عن طريق وزير الخارجية جون كيري، وكذلك عن طريق وزير الخارجية سيرغي لافروف بالنسبة لروسيا، وهناك حديث عن كون حضور إيران في المؤتمر مسألة ضرورية وأساسية ومفيدة، وهذا أمر طبيعي لأن العالم يعرف ويشهد بهذا، وبالتالي فإن عدم دعوة دولة سوريا فالأمر صعب، لأن الحديث عن سوريا سيكون بعد جنيف2، وأما حضور إيران فالمشكل الذي كان لديها مع العالم هو مشكل يتعلق أساسا مع الولايات المتحدة الأمريكية، وحينما لم يعد لأمريكا مشكل مع إيران فإن كل الدول سوف تعيد ترتيب علاقاتها مع إيران".
وأشار الكاتب المغربي بأن "إيران أصبحت لاعبا رئيسا في المنطقة وسوف تلعب دورا في إنهاء التوتر بين الرياض وأنقرة وكذا الإمارات العربية. على عكس ما كان أيام الحرب الباردة عندما كانت سوريا تلعب دور الوساطة بين دول الغرب وإيران في ترتيب العلاقات، وإيران اليوم أصبح دورها مطلوبا باعتراف دولي وإقليمي أيضا".
الدبلوماسية المغربية في حاجة إلى إعادة قراءة إيران من جديد
بالرغم من أن مشاركة إيران في الدورة العشرين للجنة القدس بمراكش تبدو عادية لكون إيران عضوا أساسيا في هذه اللجنة، وبالرغم من تصريح الوزيرة المغربية المنتدبة لدى وزير الخارجية أن "أجندة الدبلوماسية الخارجية لا تتضمن أي تطبيع مع إيران" لكون الدعوة وجهت إلى إيران عن طريق منظمة التعاون الإسلامي كما تقول الوزيرة المغربية المنتدبة، فان عبد الرحيم المنار اسليمي، مدير المركز المغاربي للدراسات الأمنية وتحليل السياسات، يسجل مجموعة من المؤشرات التي تبين أن هناك تحولا قادما في العلاقات المغربية الإيرانية سيعيد بناء العلاقات الدبلوماسية بينهما من جديد.
المؤشر الأول، حسب اسليمي، يرتبط بشكل التمثيلية الإيرانية في دورة لجنة القدس الذي لا يقوده وزير الخارجية وإنما شخصية أكثر رمزية من وزير الخارجية هي حميد رضا دهقاني الذي هو سفير الجمهورية الإسلامية الإيرانية ومندوبها لدى منظمة المؤتمر الإسلامي بجدة، فهو مثقف ينتمي إلى جيل الإصلاحيين الأكثر قربا إلى الرئيس الإيراني الجديد وبات في الأشهر الأخيرة أكثر حضورا في بعض اللقاءات الفكرية بدول الخليج حاملا خطابا جديدا حول إيران يدعو من خلاله إلى التقارب والتعاون مع الدول العربية، فهو رجل حوار يحاول تقديم صورة عن إيران الجديدة.
أما المؤشر الثاني، برأي أستاذ العلوم السياسية، فهو مرتبط بالعلاقات المغربية الإيرانية التي وإن قطعت دبلوماسيا فإننا لم نشهد طيلة هذه المرحلة تصريحات أو تصريحات مضادة بين الدولتين مما يسهل إمكانية التقارب.
المؤشر الثالث، يرتبط ببداية تقارب إيران مع دول الخليج وهو عامل من شانه أن يعيد العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وإيران، لكون أحد أسباب التوتر ارتبطت بموقف إيران من بعض دول الخليج، والمؤشر الرابع، يتعلق بالتقارب الأمريكي - الأوروبي الإيراني الذي سوف يجعل من الدول العربية ومنها المغرب تعيد التفكير في علاقتها بإيران بحثا عن التوازن داخل المتغيرات الدولية الجديدة.
وأما المؤشر الخامس، وهو اقتراب نهاية أزمة سوريا بظهور بوادر توافق إيراني أمريكي أوروبي خليجي حول الأزمة السورية، وهي ك"لها مؤشرات تجعل العلاقات المغربية الإيرانية مقبلة على مرحلة استئناف العلاقات الدبلوماسية" يستخلص اسليمي.
ونوه اسليمي إلى أن "الدبلوماسية المغربية تحتاج إلى إعادة قراءة إيران الجديدة جيدا"، فإيران، حسب المحلل السياسي، قوة إقليمية جديدة دخلت مرحلة التنافس الدولي على شمال إفريقيا إلى جانب قوى جديدة أخرى هي تركيا وإسرائيل والصين، إضافة إلى القوى التقليدية (أمريكا ،بريطانيا، فرنسا وروسيا ) .
كما أن إيران، حسب رأي المتحدث، باتت تخترق الجاليات المغاربية في أوروبا بقوة، وهي اليوم مقبولة لدى الأوروبيين والأمريكيين بمذهبها الشيعي مقارنة الوهابية التقليدية للسعودية أو إخوان قطر، من هنا فان "إيران ولو تقاربت دبلوماسيا مع المغرب فإن المعركة القادمة ستكون دينية مع إيران داخل علاقات دبلوماسية سياسية، بمعنى أن المتغيرات الدولية الجديدة ستفرض على المغرب وإيران إقامة علاقات دبلوماسية جديدة دون أن ينفي ذلك صراعا جديدا في المنطقة المغاربية وأوروبا بين إيران شيعية ومغرب سني معتدل تقوده إمارة المؤمنين".
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق