آخر الأخبار

الأربعاء، أكتوبر 2

المدارس الخصوصية تكتسح المشهد التعليمي المغربي


في كل أسبوع أخير من يونيو، وبينما المدارس العمومية مهجورة، تنظم المدارس الخصوصية حفلات نهاية السنة. يجري فيها تقديم مسرحيات وسكيتشات ورقصات للتلاميذ وتوفر فرص تواصل واستعراض اجتماعي للآباء والأمهات.
حاليا، نادرة هي الحفلات في المدارس العمومية. سابقا، في عهد الحسن الثاني، كانت تنظم حفلات رسمية كبيرة بمناسبة عيد العرش، عيد جلوس صاحب الجلالة على عرش أسلافه الميامين. كان تدريب التلاميذ يمتد أكثر من شهر. يعفى الأساتذة الذين يشرفون على تحضير تلك الحفلات أو ينظمون قصائد لمدح الملك من التدريس. وهم يحظون برضى مدير المدرسة، بينما يعاقب الأساتذة غير المطيعين للمدير والباشا ويحاسبون عن كل دقيقة تأخير يليها تقرير واقتطاع من الأجرة.
يحكي أستاذ أنه ذات عيد سياسي قرر مدير الإعدادية أن يساهم العاملون بالمؤسسة بخمسين درهما لتمويل الحفل. رد الأستاذ أن ذلك اختياري لا إجباري. غضب المدير واتصل بالباشا ووشى بالعنصر النشاز الذي لم يظهر الفرح والحبور بعيد "سيدنا". تدخل الوسطاء لتخفيض المساهمة. وفي محطة أخرى، خلال التبرع الإجباري لبناء مسجد الحسن الثاني رفض الأستاذ العنيد. وهنا هدده الباشا بالفصل من الوظيفة إن لم يتبرع. وقد دفع.
هكذا عاش التعليم حصته من سنوات الرصاص. وقد كان مديرو الكثير من المؤسسات التعليمية أشبه بالبوليس. يحرصون أن يكون التلاميذ مبتسمين كل يوم ثالث مارس للتعبير عن الولاء للملك. بعد رحيل الحسن الثاني في الصيف صار يوم عيد العرش في 30 يوليوز من كل سنة. حينها تكون المدارس في عطلة وقد ألغى الملك محمد السادس تلك الحفلات المكلفة لخزينة الدولة.
لذا بقيت الحفلات الخصوصية التي يدفع أولياء التلاميذ كلفتها. حفلات تجري في فضاءات ملونة مضاءة مبهجة ترمز للأمن والنجاح. فتلميذ المدرسة الخصوصية لديه وقت ثابت يوميا للدخول والخروج لأن احتمال تغيب المعلم الخصوصي منعدم، بينما المعلم العمومي يتغيب ولا احتياطي لتعويضه. في الخصوصي هناك صلة بين الأجرة والمردودية. يزيد صاحب المدرسة من أجر الأساتذة الأكفاء، وخاصة الذين يقومون بأنشطة موازية مع التلاميذ. النتيجة هي أن الأغلبية المطلقة من تلاميذ الخصوصي تحصل على نقط جيدة. وقد حققت الكثير من الثانويات الخصوصية نسبة نجاح في الباكلوريا بلغت 100% وهذا يفرح الذين يملكون النقود.
في السنوات الأخيرة، تضاعف عدد هذه المدارس الخاصة، بينما أغلقت كثير من المدارس العمومية فى مستوى الابتدائي أبوابها في المدن الكبرى. كما انخفض عدد التلاميذ في المدارس العمومية الابتدائية من 3.9 ملايين تلميذ إلى 3.6 ملايين.
يرجع ذاك النمو إلى الإعفاءات الضريبية التي قدمتها الدولة (تخفيض 50% ضريبة على الشركات في الخمس سنوات الأولى) وإلى توسيع قاعدة من يحق لهم تأسيس مدارس خاصة. سابقا رفض وزيرا التعليم عبد الله ساعف والحبيب المالكي منح رخص لمن لا خبرة لهم في المجال. لذا تعود ملكية هذه المدارس لمسؤولين جامعيين أو لموظفين كبار في التعليم العمومي. بعد 2007 سمح لكل من يملك رأسمال بفتح مدرسة خاصة.
في 2004 كان عدد هذه المدارس 1532 ووصل في 2012 إلى حوالي 9995 مدرسة ما بين الابتدائي والإعدادي والثانوي. وفي نفس الفترة ارتفع عدد التلاميذ المنتسبين للخصوصي بنبسة 100% ووصل عددهم 641 ألف تلميذ.
ما سبب التحول؟
البحث عن الجودة والبهجة في التعليم.
في في المدارس الخصوصية يشاهد الآباء والأمهات فلذات أكبادهن بفخر تتلاشى معه تكاليف الحفلات. فالمدرسة الخصوصية تطلب من أولياء التلاميذ شراء ملابس خاصة بالمناسبة. وتقديم مبلغ معين للحفل، زائد دفع تسبيق لشراء صور وقرص مدمج فيه فيديو للحفل. وهكذا تساعد المدرسة الخصوصية على توثيق سيرة الطفل الذي يدفع. وحين يحصل الآباء على هذه الهدايا تطالبهم المدرسة الخصوصية بمصاريف التسجيل للسنة الدراسية القادمة. كم؟ 200 دولار على الأقل. مصاريف النقل ليست إجبارية لكن سيتم دفعها في نهاية المطاف.
هذه هي المدرسة الجديدة: المدرسة المقاولة الفعالة والكفاءة والنموذجية والمكلفة. التمويل غير موجود، إذن فهذه المدرسة امتياز قلة.
هكذا صارت المدرسة الخصوصية قدوة. وهذا نتيجة انعكاسات قانون السوق على المنظومة التعليمية، صار التعليم تجارة. بمثل هذا يجري "التخفيف عن كاهل الدولة" أي "الإثقال على كاهل الشعب". هذا الشعب ليس متساويا لأن بين دخل أفراده فوارق شاسعة جدا. وبتكريسها لهذا الوضع وحمايته، فإن الدولة تقاتل لصالح طغمة وضد مصلحة أغلبية مواطنيها. المس بالحق في التعلم هو مس بالحق في الحياة. ولهذا ثمن، وهو انعكاسات قانون السوق على المنظومة التعليمية.
من مهام المدرسة إعطاء كل فرد فرصة تحسين شروط مستقبله. التعليم الخصوصي يسير بوتيرة لا يملكها التعليم الموجه لأبناء عامة الشعب. الذين يتجهون إلى التعليم العمومي لا يتوفرون على تلك الفرصة.
بظهور مدرسة يمولها المتعلمون، تخضع التربية لمنطق السوق، بحيث يحدد سوق العمل قيمة الشواهد الممنوحة.وغالبا فشواهد الجامعات العمومية لا تساوي الكثير في سوق الشغل.
بإعطاء الأولوية للتعليم الخاص، يتم تحويل المدرسة إلى مقاولة، بحيث يتم قياس ربحيتها بالمردودية المادية. لذلك يتم إعداد مقررات حسب الطلب.
طلب من؟ السوق.
بحصر مهمة المدرسة في تسويق كفايات التسيير والتدبير والمانجمانت، صار الحاسوب هو المعلم الأول والأخير. كلما زاد التواصل مع الآلات قل التواصل بين البشر. 
يترتب عن ذلك إضعاف البعد السياسي في التعليم. إذ يتكون التكنوقراطي في مدارس خاصة، يتعلم المحاسبة والبراغماتية، بينما يتكون المناضل السياسي في ساحة الجامعة، يتعلم مبادئ العدالة والمساواة والكثير من الشعبوية. الأول أكفأ من الثاني، في تدبير الصراعات، يربح التكنوقراطي البراغماتي ويخسر السياسي.

هكذا انتصرت رأسمالية السوق التي لا مشروع لديها غير الربح، وفي لحظة الإنتصار هذه، غدا قانون السوق مرجعا في كل شيء، صارت لغة المستثمرين تنظم وتقود تفكيرنا في المجتمع والاقتصاد والسياسة.
النتيجة هي تصفية مبدأ تساوي الفرص. لقد إنهزم حق المواطن أمام قانون السوق، المطلوب، مدرسة عمومية ومجانية تضمن تساوي الفرص، من أجل دولة وطنية واقتصاد وطني... هذه مطالب/مصطلحات غدت غريبة اليوم، ولم يعد أحد يتذكرها لأن الذين يملكون يحبون السوق. لذا فالمطلوب الآن برنامج حد أدنى مرحلي للشعوب للنضال لتحصين المكتسبات على الأقل. تحصين تعليم جيد مجاني للذين لا يستطيعون الدفع.









ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

أخبار دولية

مال وأعمال

معلومة تهمك

تكنولو جيا

أخبار رياضية

أخبار المشاهير

جميع الحقوق محفوظة ©2013 GN-Maroc | تطوير: سفيان